معارف

ليلى القباني تكتب:صباح مناسب للقتل لأسامة جاد أحجية تترك للكاتب تأويل الخيال



في مجموعة “صباح مناسب للقتل” للشاعر أسامة جاد، لا يكتفي الكاتب بتطبيق نظرية موت المؤلف من خلال ترك حرية التأويل للقارئ و حسب، إنه يستخدم قصصه المختلفة حيث المواضيع وعدد الكلمات واساليب السرد كأمثلة على الالعاب التي يتقنها ليري القارئ متعة أن يصنع قصة من حدث عادي، أو أن يوجِد سببًا لخلق كلمة بعينها مثلًا كما في قصة  “قال مو وأشار بيده.”


كان اختيار الأصوات السردية مفيداً بشكل كبير في فهم تطور الشخصيات وردود أفعالهم تجاه بعضهم البعض، بالإضافة إلى اللغة الشعرية التي لا تدل فقط على انشغال جاد باللغة والتعمق فيها، لكن ايضًا باستخدامها لبناء أحجيات يشارك القارئ في حلها مستمتعًا بلحظات الاستنارة.


إن اختيار الاصوات في أغلب القصص كان الامثل في زاوية السرد، كما أن تعبيرات الشخصيات و ردود افعالهم يتماشى مع عمر كل منهم و حجم شعوره بالحدث، فمثلًا لخيانة من وجهة نظر طفل تعني تسليمه لحلاق الوحدة الصحية كما اشار جاد في احدى القصص.


في  كل من النصوص التالية “دم برائحة الكولونيا والبن”، “صباح مناسب للقتل” أضأنا كلوبات الجاز” يستخدم جاد ضمير المتكلم لشخصية طفل. في كل قصة يمكن للقارئ أن يري المشهد بعينين طفل حقيقي لا يعرف ما لا يفترض لطفل معرفته و لا يرى الامور الا كما هي و يترك القارئ ليخمن قصده او ليري الروابط البديهية للأحداث، كما يحكي طفل في احدى القصص آن كثير من اصحابه سافروا والبعض لم يسافروا مع عائلاتهم لكنهم توقفوا عن اللعب حين اتي للقرية رجل ذو نظرة باردة و صوت ناعم.


في قصة “المرأة التي تكره الشرفات” بدآ جاد قصته بجملة “لم تدلف إلى الشرفة منذ خمسة و ثلاثون عامًا ….” اعني أن يبدأ الكاتب قصته من البداية ذلك معتاد جدًا، غير ان كتاب اكثر احترافية سيفكرون في البدء من الحدث الرئيسي او من النهاية، لكن أن يبدأ الكاتب قصته بنفي حدوث الحدث الذي هو في غاية البساطة كأن تدلف امرأة الي الشرفة فذلك مدهش.


الومضات (النصوص القصيرة) في تلك المجموعة هي الأحجيات الاصعب في رأيي، لا ينسى أسامة جاد كونه شاعر ولا يوقفه عن شهوة الحذف ان هذا الكتاب مجموعة قصصية، -من يعرف أسامة جاد يعرف انه ديكتاتورـ لهذا افترض انه لم يتردد في تصنيف بعض نصوصه الشعرية كقصص واضافتها لتلك المجموعة ليزيد من حيرة القارئ. يستخدم جاد بعض التعبيرات التي تكوِّن اساس حدث عادي بطبيعة الحال في كل القصص غير أن الكثير من تلك التعبيرات يمكنها بسهولة التسلل بمعنى مغاير تمامًا لعقل القارئ، فمثلا عند قراءة نص “ليلة أن اصطدنا التعلب” حيث طفل صغير يحكي الراوي ان عمه “لا بد أن يصطاد الثعلب هاجم الدجاج من جديد واختطف واحدة وترك واحدة ولم تلحقها السكين” جعلتني الجملة افكر لا اراديًا عن قصده اي ثعلب؟ ودجاجات ام نساء؟  ربما يقصد شخصية تاريخية وربما يشير لخداع بعض الثعالب للنساء في مجتمع يلحقون فيه البنت بالسكين في بعض الحالات عندما تلتقي بثعلب و يتركها.


إن تنوع الاصوات الروائية في نصوص المجموعة وتعامل الشخصيات مع الحدث سلس و طبيعي، وهذا لم يخفف من اللغة الشعرية واشباع القارئ من الخيال بشكل لا يقتل الدهشة، كما أن اهتمام أسامة جاد باللغة والاشارات الغامضة في بعض النصوص جعل “صباح مناسب للقتل”، اشبه بالاحجية حيث يملك الكاتب وحده حقيقة النص ويملك القارئ دومًا تأويلات الخيال.


ليلى القبانى


اكتشاف المزيد من موقع المعارف

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من موقع المعارف

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading