معارف

خالد دومة يكتب: أقل إنصافا

[ad_1]


إن الكلمة السيئة في حق الآخرين، تجد لها آذانا مصغية، ولسانا ذائع الصيت، وتنال من الانتشار والشهرة ما لا تناله الكلمة الطيبة في حقهم، فذكر الإنسان بما ينقصه يعلي شأن الآخرين في نظر أنفسهم، ويجدوا في الحديث عنه إقبال ومتعة، وتتفتق أذهانهم في التحليل المضلل، الناشئ من الجهل بالنفوس، ولقد سمعت مرارا أشياء عني، وكأني أسمعها عن إنسان غريب، لم ألتق به في مكان قط، ولا صلة لي به، لا عقليا ولا روحيا، وإنك لتتعجب من خيال الناس في اختراع ما يلتصق بالناس من أمور مشينة، نتيجة تفسيراتهم التي تعبر عن نقائصهم ودناءة نفوسهم. ولا شك أن أقل الناس إنصافا للمرء أهله وعشيرته، إذا كان له رجاحة عقل، وفضل عمل، فإن افتخروا به في الظاهر، إلا أن نفوسهم تحمل له من الغيرة والحقد، ما لا تحمله قلوب الأغراب، لأن ذلك يشعرهم بالعجز عن إتيان ما استطاعه واحد منهم، له نفس الدم، ومن أصلاب واحدة.


يسعى الناس في إظهار ما عند الآخرين من عيوب وإعلانها، ظنا منهم أن ما يُنقص الأخرين يعلي من قدرهم وشأنهم، وما من نفس بشرية إلا ولها نصيب من النقص، مهما علت وتطهرت، فلابد من قصور ما في جانب من جوانبه، وإلا خرج عن نطاق البشرية، وطالما إنه لا تخلو نفس بشرية من نقص، فإن الأمر مستطاع في إظهار ما عند الناس من ثغرات، ولكن يجب أيضا أن ينظر المنصف على الجانب المشرق منه، وهل باستطاعته أن يكون له من الفضائل كمن ينتقصه، ويؤاخذه على سيئاته ونواقصه ..أليس من العجيب أن ترى أن أكثرهم في اصطياد المآخذ، وعد النواقص على الناس، هم أقلهم كفاءة وأقلهم فضائل، إن كانت لهم، وإنما أرادوا أن يكتسبوا هذه الفضائل فقط من خلال انتقاص الآخرين.

في حياة كل منا ثغرات، قد تكون كبيرة أو صغيرة، ولكن لا تخلو من هنات نعيش بها، وتعيش فينا، تكبر أو يمحوها الزمن، ولكنها تبقى وتزداد أو تنتهي، وتظل عالقة في قلوبنا وأذهاننا، تجعلنا في مصاف البشر، الذين يخطئون ويصيبون، فالأيام التي أخطأنا فيها، ليست من القلة، وكذلك التي أصبنا فيها شيء من الصواب، مرت علينا تلك الأيام، وغيرها من الأيام، ولازلنا ها هنا أحياء، تكدرنا على ما فعلنا، ثم هي تفجعنا، وتترك لنا الحبل على غاربة أحيانا أخرى، ولقد سئمنا هذا وذلك، ولم يعد لنا طاقة بالمزيد منه، اكتفينا بما نلنا منها أرقتنا الحياة وكل شيء وصارعتنا وانهزمنا أمامها مرات بعد مرات، قالوا لنا إن الحياة بدون هذه الصراعات، لا تلذ ولا يستمتع بها أحد وتكون بليدة، لا تعطينا الثمر، فتكون أرضها مالحة غير صالحة لشيء، فهي تهدم لا تبني لنا سوى الخراب المحقق، فإذا كانت الحياة بهذا السوء، فما هو الصالح فيها، الذي يجعلنا نحب أن نحياها، ونتعاطى ما فيها بكل حب واريحية، نتسول الحب والسعادة، وتكون أبدا يدنا فارغة منها.




إن النفس الشحيحة: هي التي لا تفيض على غيرها من أمر نفسها وتجاربها، فالأمور بالنسبة لها سواء، لا زيادة فيها ولا نقص، تمر الحوادث عليها فيكون نصيبها الفقر والشح، ولا تأخذ منها، ولا تتعلم شيء، أما النفوس التي ترغب في العطاء، فهي تقلب الأمور، وتتعلم وتعطي، وتأخذ وتعيد ما أخذت، وتأخذ ما أعطت أضعاف مضاعفة، نفوس ثرية، ممتلئة بالكنوز، دائما هي تسخو، لا تمنع مما أخذت، لا تترك الأثرة وحب النفس في قلب صاحبه مكان لحب أو رحمة، إنما وقوفهم بمظهر اللين إنما هو أمام ما لا يمس مصالحهم بسوء، أما إذا كان الأمر ليتطرق إلى ضررهم فهم وحوش ضارية، تفتك بغيرهم، ولا تبقي على أحد، فطيبتهم ليست إلا قناع فيما لا يمس جيوبهم.




إن من الناس من يفعل الخير، ليس حبا وإثارا للخير، ومحبة له، إنما يفعل ذلك ليخفي عمله السيء، وراء حجاب من فعل الخير، الذي يدعي إنه يفعله عن رغبة منه وحب فيه


غالبا ما يكره الناس ما يظهر لهم سقم افكارهم وما يعتريها من نقص ومن جمود فيتحاشون مجالسته او مناقشته لان ذلك ينقصهم ويكشف لهم عورات طالما ما ارادوا ان يستروها ولا يريدون مواجهتها ودائما ما يخدعون أنفسهم بأن ما ورثوه من أفكار هو عين العقل دون أن يحللوا مضمونه أو يواجهوا ما به من قصور ونقص أم هؤلا الذين يوافقونهم في أفكارهم وارئهم دون جدال أو مناقشة فإنهم أقرب إلى قلوبهم فهو يعطيهم شيء من الثقة بالنفس واحتراما لعقولهم على الرغم من تفاهتها وسطحيتها فخداع النفس بها أهون من مواجهتها بالقصور والغباء فالإنسان الذي لم يعتاد النقد وتقبل آراء مخالفيه غالبا ما يظل أعمى أسير أفكاره دون أدنى رغبة في تغييرها أو المساس بها




إن الناس لا يرتاحون لسماح المدح عن آخرين وإذا ما كان أصحاب أخلاق دمثة وتربية ذوقية كانوا مما يقدحون في صاحبها ذلك أنه تميزه وتجعله أفضل وأنهم أعجز من أن يكون مثله في هذا المضمار يتلقون سيرته بما ينبع من نفوسهم الوضيعة ويسلبونه من ميزة أو صفة حسنة فطبيعة الشر التي تفوق في نفوسهم وتعلو هي التي تسود.

إن كثيرا من الناس لا يسترحون لفضائل غيرهم فيجتهدون في تشويه صورهم أمام الآخرين بأن يهدموا ما بنوا عليها صفاتهم الحسنة بأن يحيلوها ركام أو يجدون لها مخرج من رياء أو كبر أو غير ذلك أن الفراغ الذي يعانيه الكثير يستثمره الكثيرون في تفتيت ما عاجزوا هو عن اكتسابه فهو أعذر من أن يكون أصحاب فضائل فيجدون في تشويه الآخر عزاء لأنفسهم الساقطة.

[ad_2]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى