شخصيات نجيب محفوظ بين الواقع والخيال.. كتب عن نفسه وسيد قطب وسعيد الكفراوى
لم يكن نجيب محفوظ بمعزل عن مجتمعه، وعن رموزه وما يدور فيه من مشاكل وظواهر، فقد استلهم الكثير من شخصياته الروائية من الواقع، كتب عن رجال عاصرهم، عن شخصيات ربما قابلها من قبيل الصدفة، وربما عن نفسه، وعن ظواهر مجتمعية شغلت الشارع والرأي العام، فأحب عن يتعمق في تلك الشخصيات جميعا، ويخترق دواخلها النفسية، مقدما رؤية أكثر عمقا عما دار في الصحف وعن تلك الشخصيات في حياتها.
وتمر هذه الأيام الذكرى الثامنة عشر على رحيل الأديب العالمي نجيب محفوظ، الذي غادر دنيانا عن عمر يناهز 94 عاما، ترك خلفه إرثا أدبيا وإبداعيا عظيما استحق عليه لقب “عميد الرواية العربية”، وأصبح البعض ينظر إلى فن الرواية على ما قبل نجيب وما بعده.. وفي هذه الذكرى نذكر بعض من الشخصيات الحقيقية في أدب محفوظ، والتي لم يتصور البعض وهو يقرأها أنه يقرأ عن شخصيات واقعية مشهورة في المجتمع، ومنها:
سيد قطب في “المرايا”
شخصية “الدكتور إسماعيل عبد الوهاب” فى رواية “المرايا” هى شخصية المُنظر الإخواني سيد قطب، فبحسب مقال للكاتب الكبير الراحل صلاح عيسى تحت عنوان “سيد قطب فى مرايا نجيب محفوظ” فإن الخطوط العامة لسيرة حياة “عبد الوهاب إسماعيل” ـ وهو الاسم الذى يظهر به “سيد قطب” فى مرايا “نجيب محفوظ” ـ لا تكاد تختلف مع المعروف عن سيرة “سيد قطب”.. ابتداء من عينيه الجاحظتين الحادتين اللتين لم يسترح لهما المؤلف حين تعرف عليه فى أحد الصالونات الأدبية أثناء الحرب العظمى الثانية، وحتى عمله كمدرس للغة العربية، ونشره لفصول فى النقد وقصائد من الشعر التقليدى فى المجلات الأدبية، إلى اعتلال صحته، ومن تعاطفه مع الوفد إلى انشقاقه عنه.
محفوظ وإن أخفى حقيقة إن كان سيد قطب هو المقصود بعبد الوهاب إسماعيل فى رواية “المرايا” لكنه لم يُخف أبدا علاقته بالإخوانى الراحل، فيذكر الكاتب الصحفى محمد شعير فى كتابه “أولاد حارتنا.. سيرة الرواية المحرمة” وصف نجيب محفوظ لانطباعاته عن لقائه الأخير مع سيد قطب بأنه “فقد قدرته على الابتسام، عندما مضى فى طريق آخر يكفر فيه المجتمع”.
محفوظ يكتب عن نفسه في “الثلاثية”
اتفق كثير من النقاد أن هذه الشخصية “كمال عبد الجواد” فى الثلاثية هى الأقرب لشخصية الأديب ذاته، وما يؤكد ذلك أن كلاهما من مواليد شهر ديسمبر، أيضا تشابه تجاربهما فى الحب والشك والانتماء لسعد زغلول، وروح الثورة والانتفاضة على الظلم فضلا عن تشجيع نادى الزمالك وغيرها من الملامح المشتركة التى أقر بها “محفوظ نفسه” فى كتاب “نجيب محفوظ يتذكر” قائلا: كمال عبد الجواد يحمل كثيرا من تجاربى وآلامى وهمومى واهتماماتى، كما أنه رمز “للثورجية” وشباب التظاهرات المتطلعين للتغيير.
سعيد الكفراوي في الكرنك
رسم الأديب العالمي نجيب محفوظ شخصية إسماعيل الشيخ فى رواية “الكرنك” من واقع ما حدث للقاص الكبير سعيد الكفراوى، فعندما عرف نجيب محفوظ باعتقال الكاتب الكبير سعيد الكفراوى، وفوجئ به عندما رآه على المقهى، فأخذه وانصرف، وقال للكفراوى احكِ لى أسباب اعتقالك والنتائج بالصورة البطيئة، فسرد عليه الكفراوى حكاية التحقيق باعتباره إخوانيًا أو شيوعيًا، واتهامه بحرق مصنع النسيج فى المحلة، ومعرفته بالعديد من الكتاب الشباب فى ذلك الحين.
وسعيد الكفراوى اعتقل فى عام 1970، وتم ترحيله من مدينة المحلة إلى معتقل القلعة، كان فى المحلة يقيم فى شقة، يجتمع فيها أدباء المحلة نصر أبوزيد، والدكتور جابر عصفور، وفريد أبوسعدة، والمنسى قنديل، وجار النبى الحلو، والشاعر الراحل محمد صالح، وجد نفسه فى القلعة تحت حد السؤال، يحقق معه فى الصباح محققان باعتباره شيوعيًا، واستمر التحقيق 6 أشهر على هذا الحال، وعندما أفرج عن الكفراوى حمل حقيبته وتوجه إلى مقهى “ريش” الذى كان يمثل له شبه إقامة، ويحضر فيه لقاءات أستاذه نجيب محفوظ. واستمع نجيب محفوظ، وكان وجهه غاضبًا وترتعش شفتاه، يومها قال للكفراوى اقطع تلك المرحلة من حياتك، وبعد حين صدرت “الكرنك”، وفجرت التساؤلات.
السفاح في للص والكلاب
يقول يوسف القعيد، إن شخصية “سعيد مهران” بطل رواية اللص والكلاب شخصية حقيقية عاشت على أرض الواقع، فهو شخص هاجر من لبنان إلى الإسكندرية، وتحول إلى لص وقاتل وصدرت ضده اتهامات كثير وكانت الصحف تكتب عنه كل يوم، وكان يطلق عليه اسم “السفاح”.
وقد أخذ نجيب محفوظ من القصة ما يمكن أن يتحول لعمل أدبي فأخذ “التيمة” والشخصيات وبنى لها مسارا مختلفا فى بعض مراحل البناء الدرامي بأسماء برع فى اختيارها لتعلق فى أذهان الناس، وهنا استطاع الكاتب الكبير الراحل الوصول للشكل الذى ظهر فى السينما وقبلها فى الرواية التى نشرت مطلع الستينات فأضاف إليها الشيخ الصوفى الذى يقصده المجرم من فترة لأخرى وبنى الجانب الإنسانى للشخصية مظهرا العمق والدوافع.
اكتشاف المزيد من موقع المعارف
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.