كيف تناولت رواية “آيس هارت فى العالم الآخر” لمحمد بركة هواجس وأسئلة المثقفين؟
فى روايته الأحدث “آيس هارت فى العالم الآخر” الصادرة مؤخرا عن دار “إيبيدي” بالقاهرة، يطرح الكاتب الروائى محمد بركة عددا من التساؤلات القديمة المتجددة التى يحتفظ بها المثقفون لأنفسهم أو يتداولونها على نطاق ضيق. وتأتى تلك التساؤلات عبر بطل العمل “مروان” الفنان التشكيلى المصاب باكتئاب حاد و حيرة فكرية عميقة والذى يلقى كل ما فى نفسه من هواجس معبرا عن رغبة فعلية فى معرفة الحقيقة، ثم يتلقى الإجابة عليها مما أسماه الكاتب “الطيف السماوي”.
وعلى سبيل المثال، يتساءل بطل العمل عن الاختلافات فى رواية نشأة الكون والوجود بين كل من العلم والدين، فتأتيه الإجابة بأن “مصدرًا أصليًّا للنور والحب إذ يطل من عليائه، ينجز كل شيء فى أيام. الأنفاس واليد والأنامل. الرحمة والحب والحنان”.
ويتساءل “مروان” حول فكرة أصل البشر فيجيبه “الطيف السماوي” الذى يتجسد له بأنها واحدة من أكثر فقاعات الجدل التى تليق فعلاً بالبشر، ويدعو البطل إلى أن يتخيل شخصًا وُلد فى عائلة أرستقراطية نبيلة تنتمى للعصور الوسطى. وجاء ذات يوم من يشكك فى أصله النبيل ويخبره بأنه لقيط وعُثر عليه فى الشارع. بدلاً من أن يحزن، فرح ذلك الشخص وهتف: الآن أتحرر من التزامات وتقاليد طبقة النبلاء، وأهيم على وجهى مشردًا ما دمت ابن حرام.
ويضيف: ما أعنيه أنه ربما كان هناك بالفعل خيط بيولوجي، دوائر من الجينات، تربط بين الإنسان وأسلافه من أشباه البشر الذين كانوا يتقافزون على أغصان الشجر، لكن المؤكد أن آدم هبط من السماء إلى الأرض مكتملاً نضرًا بعد سلسلة من أطوار الخلق ومراحل التكوين السماوية ليكون أباكم وتكونوا بنيه.
يتساءل ” مروان”: كيف تقول “ربما”؟
يجيبه: أخاطبك، كما أخبرتك، على قدر وعيك الذى لم يكتمل تحوله، ولا يزال متأثرًا بماضيه الدنيوي.
ويعود مروان ليقول: بصراحة لم أفهم يومًا سر رعب الأديان من فكرة الانتحار؟
-إذا كنت تسمى شهقة الأم حين ترى رضيعها يرغب فى اكتشاف النار بأنامله الرقيقة رعبًا، فأنت وشأنك.
-أنت ماذا تسميها؟
-أليس الأمر واضحًا، إنها الرحمة.
ويعود بطل العمل ليتساءل: “لماذا كل هذا الإلحاح على عذاب الآخرة؟ لم أحب يومًا أن يكون اقترابى اقتراب العبد الخائف من سوط سيده”. ولا أحب أن يكون اقترابى اقتراب رجال الأعمال الذين يبحثون فى الآخرة عن صافى الربح لاستثماراتهم فى الدنيا”.
ويعود “مروان” ليسأل: “ليست هناك خصومة بين قلبى والسماء، ولكن بعض أصدقائى يلحون فى أحاديثهم معى على الابتذال الذى تتضمنه فكرة الطاعة المطلقة، وبصراحة هم يكنّون احترامًا بدرجة متفاوتة لإبليس ويعتبرونه أول معارض سياسى فى التاريخ”.
-تقصد الجاذبية التى تنطوى عليها فكرة التمرد، البيان الثورى الذى يقال أمام العرش، المجد المستحق لمن قال “لا” فى وجه من قالوا “نعم”؟
وتظهر الإجابة التى تستقر فى نفس مروان وهى أن دراسة السلوك الإنسانى تتضمن الكثير من الغرائب بالنسبة له، فالقاعدة الأولى لهذا السلوك تتمثل فى أنه لا قاعدة تحكمه كما أن التناقض عنوان عريض كثيرًا ما يطل برأسه، فكيف لنا نحن الفنانين على سبيل المثال أن نتحسس من الخضوع للخالق رغم ما فيه من سمو، ونتساهل مع الخضوع للشهوات رغم ما فيه من تدن وترخص، نتحفظ على العبودية للمصدر الأصلى للنور، ونغض الطرف عن العبودية للمؤسسة والمدير والوجاهة الاجتماعية وعدد الأصفار فى الحسابات البنكية.
وهنا حوار آخر من الرواية:
-بعض صديقاتى من غلاة النسوية يتصورن الخالق أنثى، وأعرف أنهن طيبات القلب لا يقصدن سخرية أو إساءة؟
-عليهن حل مشكلاتهن أولاً مع ذكور مجتمعاتهن وعدم القفز عليها بتصعيد المعركة إلى مستوى يتجاوز حدود إدراكهن.
– صديقاتى الأكثر واقعية يتساءلن دائمًا بشأن تخصيص جيوش من الحور العين للرجال فى الجنة، بينما تواجه النساء مصيرًا مجهولاً؟
وكأنى به يتبسم ثم يقول:
– فليجتهدن أولاً لدخول الجنة ثم لكل حادث حديث.
– البعض يزعم أن الجنة ستكون مملة، فما الشيء المثير فى العيش مليارات السنين، التى كلما انتهت تجددتْ تلقائيًّا، دون جهد أو فكرة أو طموح، فقط المتعة الخالصة لعدد من الكسالى الذى يتقلبون على أسِرة من الذهب وشواطئ من الياقوت؟
وكأنى بتبسمه يستحيل ضحكة وقورة.
-ماذا تقول أنت ردًا على أصحاب هذا السؤال؟
فاجأني، لكنى أجبت بنفسى على نفسى دون تفكير. نطقت بما استقر فى ضميرى وجرى على لسانى منذ اللحظة الأولى وفى نفس الحانة:
-قصر ذيل يا أزعر!
اكتشاف المزيد من موقع المعارف
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.