معارف

أساطير العالم القديم .. كيف بدأ العالم عند الإغريق

[ad_1]


تعد الأساطير واحدة من طرق التفسير التي لجأ إليها الإنسان قديما، كي يفهم العالم ويعرف ما حدث في الماضي، وما يحيط به من ظواهر، وممن فكروا في الفهم عن طريق الأسطورة الإغريق، وهم أصحاب حضارة.


يقول كتاب “الأساطير اليونانية والرومانية” لـ أمين سلامة:




في البدء كان هناك الهيولى، وهو فضاء واسع مضطرب مائج. لم تكن هناك حدود للدنيا، لم يكن بها سطح، ولا محيط لذلك السطح.


كان الهيولى كله فوضى، ولكن جميع الأشياء الموجودة وقتذاك مختفيةٌ في ذلك الهيولى.


وتدريجيًّا، وبعد انصرام عدة عصورٍ طويلة، كف الهيولى عن أن يكون مجرد ظلام وفوضى، فقسم نفسه كائنَيْن ضخمين، أي إلى إلهين عظيمين، هما: جايا أو الأم الأرض وأورانوس، أو السماء المخيمة فوق الأرض، غير أنه بَقِيتْ هناك ذكرى مستديمة للهيولي، ولا تزال باقية في الليل، ذلك الظلام الغريب الذي يعيشُ فيه الهيولى.


لما تزوج أورانوس جايا، أنجبا عدة أولاد، بعضهم جميل جدًّا، والبعض الآخر وحوش عمالقة مفزعون. أُطلق على النوع الأول اسم «تيتان»، وهم اثنا عشر تيتانًا ضخام الأجسام ذوي قوة جبَّارة يُشبهون البشر، ولكنهم أضخم منهم بكثير، ومن أشهرهم: أوقيانوس ونيثيس اللذان حكَما البحر، وهيباريون وثيا إلها الشمس والقمر، وريا التي عُرفت فيما بعد باسم «الأم العظمى»، وثيميس حارس القانون والعدل، ونيموسيني ربة الذاكرة، وكرونوس أصغر هؤلاء جميعًا وأقواهم. كان العمالقة المتوحشون الذين أنجبَهم أورانوس وجايا نوعَيْن؛ ثلاثة من هؤلاء لكل واحدٍ منهم مائة يد، وثلاثة آخرون لكل واحد منهم عين واحدة في وسط رأسه تمامًا، وأطلق على النوع الأول «هيكاتو نخيريس»، أي العمالقة ذوو المائة يد، والثاني «سيكاوبس» أي العمالقة ذوو العين الواحدة.


مقت أورانوس جميع أولاده ولا سيما العمالقة الستة الذين كان يمقتهم أكثر الجميع؛ ولذا حبسهم في المناطق السفلى من الأرض المسماة تارتاروس. أما الأم الأرض، التي لم تمقت أي واحد منهم، فغضبت لحبس أولادها الستة، فاستدعت التيتان ليساعدوها ضدَّ أبيهم، فلم يساعدها أي واحدٍ منهم باستثناء كرونوس، الذي يعتقد الرومان أنه إلههم ساتورن، فأخذ منجلًا حادًّا وذبح به أباه. فنشأ من دم أورانوس العمالقة الذين هم أشبه بالبشر منهم بالآلهة، وكانوا يلبسون جلود الحيوانات البرية، واشتهروا بأنهم مقاتلون متوحشون، كما نشأت من دمه الفوريات، أو اليومينيديس اللواتي كانت شعورهن ثعابين تتلوى.


لما تغلب كرونوس على أبيه، قبض على زمامِ حكم العالم، فتزوج ريا، وقسم إمبراطوريته بين زملائه التيتان. أما حكمه هو نفسه فانتهى في الوقت المناسب، وخاف أن يصيبه ما أصاب أباه فيلقى نفس حتفه. وعلى ذلك كان يبتلع كل طفل يُولد له، عند ولادته مباشرة. أنجب ثلاثة أبناء هم بلوتو ونبتيون وجوبيتر، وثلاث بنات هنَّ فيستا وكيريس وجونو. ظن كرونوس أنه ابتلع جوبيتر كما ابتلع سائر الباقين، ولكن الواقع أنه لما جاء دور ولادته، وهو أصغر الأولاد، استعاضت ريا بدهائها بحَجَرٍ بدل الطفل.


نُقل جوبيتر سرًّا إلى جزيرة كريت، حيث قامت بتغذيته الحوريتان إديا وأدراستيا بلبن العنزة أمالثايا. ولما اكتمل نمو جوبيتر وبلغ من القوة أقصاها، عزم على أن يهزم كرونوس. وبمساعدة جايا، أجبر كرنوس على أن يتقيأ أولاده الخمسة الذين ابتلَعَهم. فلما خرج هؤلاء ساعدوا جوبيتر في شنِّ الحرب على ذلك الإله العجوز، فانضم جميع التيتان تقريبًا إلى جانب كرونوس، بينما انضمَّ إلى جانب جوبيتر، ليس إخوته وأخواته فقط، بل وكذلك العمالقة ذوو المائة يد وذوو العين الواحدة، الذين حبسهم كرونوس مثل أورانوس في تارتاروس. ولكي يكافئ الكوكلوبس جوبيتر على إطلاق سراحهم، صنعوا له الصاعقة والبرق، بينما زوده العمالقة ذوو المائة يد بسلاح الزلازل.


وقف الآلهة العجائز على جبل، بينما وقف الآلهة الصغار على جبل آخر، واستمرت الحرب بينهم عدة عصور. وكلما قامت معركة بينهم، اهتزَّت الأرض تحت أقدام أولئك الآلهة المتحاربين، ودوى الهواء بصوت صيحات المعارك الضارية، فأخذ جوبيتر يقذف صاعقة بعد أخرى، واشتعلت النار في الغابات وعلا لهيبُها، وغلت مياه الأنهار وفارت، واحترقت السماء نفسها. وأخيرًا لم يستطع التيتان الصمود أمام قوة جوبيتر بعد ذلك. فقذف بهم إلى وسط النيران من حِصنهم الجبلي، ولما حاولوا الفرار طاردهم الآلهة الصغار، وتغلبوا عليهم. فسجن جوبيتر معظم التيتان في تارتاروس، وكلف ابن أحدهم، ويسمى أطلس، بأن يحمل الدنيا فوق كتفيه إلى الأبد. وكان ولَدَا تيتان آخر، وهما بروميثيوس وإبيميثيوس، قد رفضا حمل السلاح ضد جوبيتر، فأفلتا من السجن، ولمدةٍ ما كان بروميثيوس المستشار الأول لجوبيتر.


قسم الآلهة الدنيا فيما بينهم، فأخذ جوبيتر (وهو زوس عند الإغريق، كما سماه الرومان جوف أيضًا) السيادة على الآلهة والبشر، وكان يحكم كملك على حصنهم الجبلي، وهو جبل أوليمبوس. فاختار جوبيتر جونو (هيرا الإغريقية) لتكون زوجته، وعهد إلى نبتيون (بوسايدون الإغريقي) بحكومة المحيط، وإلى بلوتو (ويطلق عليه هاديس أحيانًا) بحكم العالم السفلي، وصارت فيستا (هستيا الإغريقية) ربة الوطيس والمنزل، وصارت كيريس (ديميتير الإغريقية) ربة الزراعة.


وفي تلك الأثناء ظهرت الأجناس البشرية على سطح الأرض، وكما تروي القصص، تعاقبتْ عدة أجناس من البشر. ففي عصر كرونوس الذهبي كانت الحياة ربيعًا أبديًّا، وأخرجت الأرض ثمارها بوفرة، حتى إنه لم تكن هناك حاجة على الإطلاق للكد والكدح. وكان الناس سعداء وخيرين، تأتيهم الشيخوخة بطيئة متثاقلة. وكانوا يعيشون في الخلاء في صفاءٍ لا يعرفون التشاحُن ولا الفقر. فإذا ما جاءهم الموت أخيرًا أقبل في صورة نوم هادئ يستغرقون فيه.


بعد ذلك جاء العصر الفضِّي، فخلق جوبيتر الفصول، وجعل العمل ضروريًّا، وساد الجوع والبرد، فاضطر الإنسان إلى بناء البيوت، وأبدى الإنسان شجاعة وجرأة في ذلك العصر، ولكنه تغطرس في معظم الأحوال، ولم يقدم الاحترام اللائق للآلهة.


وبعد العصر الفضي جاء العصر البرنزي، وفيه تعلم الإنسان استخدام الأسلحة، فحارب بعضهم البعض الآخر. وأخيرًا جاء العصر الحديدي، وهو عصر الإجرام وعدم الشرف، فكفر البشر بنعم الآلهة وأساءوا استعمال تلك النعم، وانغمسوا في الوضاعة والانحطاط.


ارتبطت قصة بروميثيوس العجيبة بتاريخ البشرية، في تلك العصور المبكرة. ومعنى اسم هذا التيتان «التفكير المسبق» أو «بُعد النظر»، كما يعني اسم إبيميثيوس «التفكير المتأخر» أو «النظر المتخلف». وبمعنًى آخر كان بوسع بروميثيوس، بقوة ذهنه، أن يتنبأ بما سوف يحدث. وقد اختير بروميثيوس مستشارًا لجوبيتر لفترةٍ ما. وكان جوبيتر يعتمد عليه وعلى مساعدته في كثيرٍ من الأمور. ومع ذلك فبمرور الزمن نشِب عراك بينهما بسبب البشر؛ فعندما أبصر جوبيتر كيف سقط البشر من عليائهم السابقة في العصر الفضي، اكتسحهم من فوق وجه الأرض، واعتزم خلقَ جنسٍ جديد، وطلب مساعدة بروميثيوس. فأخذ ذلك التيتان طينًا من شواطئ نهر في أركاديا، وجعله على صورة الآلهة. ونفخ نفَس الحياة في تلك التماثيل التي صنعها، وهكذا وُلد جنس جديد.


بيد أن أولئك الناس كانوا أضعف من جنس البشر في العصرين السابقين، وجاءوا إلى أرضٍ تطلب المزيد منهم أكثرَ مما سبق أن طُلب من البشر. كان عليهم أن يُناضلوا ضد تغيرات الطقس. وما كانت الأرض لتخرج لهم طعامًا إلا إذا فلحوها من قبل، وأحاطت بهم وحوش ضارية. وكان يبدو أن هذا الجنس سيهلك إلا إذا جاءته مساعدة من ناحيةٍ ما.


أطل بروميثيوس إلى أسفل نحوهم، فرأى ما يحدث، وقال لجوبيتر: «هيا بنا نعطي هؤلاء القوم المساكين نعمة النار المباركة، فبواسطتها لن يخافوا البرد، وبواسطتها يمكنهم أن يصنعوا لأنفسهم أسلحة وأدوات.»


ولكن جوبيتر خشي أن يعطي البشر نعمة عظيمة كهذه؛ لئلا يظن معشر البشر أنهم مساوون للآلهة، وعلى هذا رفض إجابة طلب بروميثيوس، فحزن ذلك التيتان حزنًا شديدًا، وقرر أخيرًا ألا يقيم مع جوبيتر، بل يسكن مع البشر. وهكذا غادر أوليمبوس، وحمل معه هدية النار مخبأة في بوصة، وعلَّم البشر كيف يمكنُهم بواسطة النار أن يصنعوا أسلحة يقتلون بها الحيوانات المفترسة، ويلاقون بها أعداءهم، وكيف يصنعون بالنار الأدواتِ اللازمة لجميع الحرف والمهن. وبناءً على ذلك، ففي هذا العصر خُلط القصدير مع النحاس لأول مرة، وصُهرا في الأتون فنتج عنهما البرنز. كما علمهم كيف يُخضعون الثور والحمار والحصان، وعلمهم بناء السفن وحساب مدار السنة، وكيف يكتبون ويحسبون ويعالجون الأمراض.




 

[ad_2]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى